الاثنين، 3 يناير 2011

من يعتذر لمن؟ و من يعزي من؟

كانت حادثة الانفجار الذي وقعت أمام كنيسة القديسين منذ يومين 1-1-2011 حادثة غريبة جداً على المجتمع المصري و ﻻ يزال الألم و الفجيعة يعتصر قلوب المصريين جميعاً ، الألم الذي عبر عنه البعض بتغيير صورة البروفايل على الفيسبوك بسواد كامل أو بتعانق الهﻻل و الصليب و عبر عنه البعض بزيارة المصابين و تعزية أصحاب و أقارب الموتى و آخرون تبرعوا بالدم لصالح المصابين.

و لأن الحدث غريب على المجتمع المصري فإن ردود الأفعال لم تكن ردوداً عادية و بالتأكيد تستحق بعض النظر ، قد يكون الموقف الآن ﻻ يسمح بنظرة تحليلية و لكن لنفكر قليلاً وسط هذه الفوضى لندرك أين وصل المجتمع و أين وصلت مصر. لا لمجرد النظرة التحليلية و لكن لنتأكد أن المشكلة أعمق من هذا و أن الاحتقان و التحفز أصبحوا اليوم أمراً واقعاً ينبغي أن ننظر إلى أسبابه بهدوء و نحاول حلها.

لن أتحدث هنا عن الأسباب التي أدت بالمجتمع إلى هذا الاحتقان و التحفز و هي أسباب بعضها معروف لدى الجميع و البعض يحتفظ به المثقفون و ﻻ يبوحون به إﻻ على استحياء خوفاً من فتنة أشد و ﻷن البوح به بقوة لن يحل المشكلة و لكنه سيزيدها تعقيداً.

أما عن الفاعل فإن الحديث عنه بيقين قبل ظهور نتائج التحقيق شيء من الخبل ، أما الترجيح فمطلوب ، و أنا ﻻ أستبعد فعﻻ التدخل الأجنبي خصوصاً بعد الاطﻻع على اعترافات الجنرال عاموس يادلين و لكن لننتظر حتى نعرف من الفاعل.

أما عن الاحتقان و هل هناك من هو سبب فيه و هل له عﻻقة بالحادث و هل ﻻبد أن يعتذر فإن هذه قصة أخرى ليس مكانها هنا و لكني أتركها لمقال قادم إن شاء الله.

أريد بعد هذا التقديم أن أعرف أمرين مهمين كما أفهمهما:

الاعتذار: الاعتذار يكون من إنسان أخطأ في حق إنسان آخر أو طائفة أخطأت في حق طائفة خطأ مباشر أو بالتحريض ، يعبر فيها المخطئ أنه أدرك خطأه و استشعره و يتمنى لو لم يقم به.

التعزية: إذا فقد إنسان ما شيئاً أو شخصاً عزيزاً عليه فإن أحباب هذا الشخص يعزونه في ما فقده. لربما هم ﻻ يعرفون الشخص المتوفي لكنهم يعبرون لصديقهم أو قريبهم أنهم حزينون لحزنه و أنه إن كان فقد صديق أو قريب فإننا سنظل إلى جانبك و لن نتركك.

و بخصوص الحادثة فإن فاعل هذه الفعلة أياً كان انتماؤه ﻻ يقبل منه اعتذار هذا إن اعتذر أصﻻً. فالمتهمان الرئيسان في الحادثة هما القاعدة - أو جماعات متأثرة بها - و إسرائيل. و كﻻهما لن يشعر بخطأه و لن يتمنى لو لم يقم به و حتى لو فعلوا هذا فقبول الاعتذار مستحيل ﻷن الجريمة نكراء و الدم ليس سهﻻً.

أما التعزية فإن الجميع عليه أن يعزى أصدقاء و أقرباء الضحايا تعزية خاصة ، أما التعزية العامة فهي ليست للمسيحيين فقط بل التعزية للمصريين جميعاً ﻷن الجرح عميق و الدم ليس سهﻻً و مصر هي الضحية الأولى فى هذا الحادث.

أنا شخصياً لن أعزي مايكل أو أنطوان صديقاي ، فعندما مات عمي لم أعز أبى فيه و لكنى وقفت إلى جانبه كي يعزينا الناس فالجريمة مستني كما مستهم و أحزنتني كما أحزنتهم ، و لكني سأعزي أختى ناردين التي فقدت صديقتها و أم صديقتها و أرجو من الله أن يهدئ قلبها و أن يرزقها الصبر الجميل.

ﻻ أنكر أننى رأيت فى اليومين الفائتين ما يخالف هذه الحقائق التى أراها بسيطة و واضحة فرأيت بعض المسلمين يعتذرون للمسيحيين و كأنه هو من فجر المتفجر و رأيت مسيحياً يقول لن نقبل الاعتذار من المسلمين ، و رأيت مسلمين يدافعون عن الإسﻻم و يبرزون آيات التسامح و البر مع غير المسلمين و المسيحيين خاصة و كأن الإسﻻم متهم أصﻻً. و رأيت مسلمين كل قضيته في الحياة أن يقول للمسلمين أزيلوا صورة الصليب من بروفايلكم. و رأيت شباباً ثائراً في الشوارع معظمه من الصيع يكسر و يدمر.

و مع هذا فالصورة ليست بهذه القتامة فقد رأيت أيضاً مسلمين و مسيحيين متحدين ﻹدانة ما حدث و أذكر السيدة المسيحية في تقرير الجزيرة تقول “ﻻ مسلم راضي و ﻻ مسيحي راضي” و رأيت المتبرعين بالدم من المسلمين و المسيحيين على السواء و رأيت أغاني الوحدة تنشر.

أرجو من الجميع أن يقول في كل مقام مقاله و أﻻ يندفع بعاطفته ليضع لبنة سوداء في سور بئيس يريد أعداء الأمة أن يبنى بين المسلمين و المسيحيين.

تبقى أسباب الاحتقان و التحفز الطائفي بحاجة إلى نظرة عميقة عاقلة و لكني سأؤجلها لوقت ﻻحق إلى أن نهدأ جميعاً من هذه المأساة و أسأل الله أن تمر الأيام القادمة بسﻻم و هدوء دون أي مفاجئات أخرى و أسأل الله أن تنجح الوقفات التي تتم الدعوة لها الخميس و الجمعة أمام الكنائس لحمايتها و أسأله أن يجنب مصر ويﻻت الاحتقان و أن يتدخل العقﻻء في هذا البلد الأمين كي يحاولوا إصﻻح بلد لطالما كان مثﻻً للانسجام بين مسلميه و مسيحييه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق