الأربعاء، 20 أبريل 2011

الأقباط و النموذج الحضاري الإسﻻمي

موضوع الأقباط هو من المواضيع التي يواجه بها الإسﻻميون على أنها نقطة ضعف في مشروعهم و أن مشروعهم الإسﻻمي ﻷنه مشروع مرجعيته “دينية” فهو مشروع بالضرورة ﻻ يستوعب الأقباط


فيرد الإسﻻميون: إن مشروعنا الإسﻻمي بالنسبة لنا دين و ثقافة و بالنسية للأقباط ثقافة فقط و بالنسبة لنا دين و حضارة و بالنسبة للأقباط حضارة فقط


و هذا كﻻم له منطقه و حيثياته و سنوضح أن له شواهد تؤكده في واقعنا المعاصر في مقال آخر


و لكن السؤال: ما الذي يدفع الأقباط إلى تبني المشروع الحضاري الإسﻻمي و لو كثقافة؟


إن المسلمين اليوم يعانون من انهزام حضاري واضح و الحركة الإسﻻمية ﻻ تزال في مرحلة “الصحوة” و التجارب الإسﻻمية المعاصرة التي يمكنها طمأنة الأقباط غير موجودة ناهيك عن تجارب تدفعهم لتبني المشروع ، لذلك فما الذي يمنع القبطي المثقف من تبني الليبرالية أو العلمانية؟


إن أمامه اليوم نموذجاً حضارياً غربياً متقدماً و عولمة تريد فرض هذا النموذج على الجميع و تروج له على أنه وحده الحل لجميع مشكﻻت العالم ، و لكي تعلم كم هو متغلغل في حياتنا هذا النموذج ، ﻻحظ أنك ما كنت لتقرأ هذا المقال لوﻻ وجود الإنترنت و الذي هو إحدى منتجات الحضارة الغربية


إن الأقباط ليسوا كلهم رفيق حبيب و ﻻ مكرم عبيد و علينا ابتداءً أن نتفهم عدم تبنيهم ﻷي مشروع حضاري إسﻻمي بل و التشكك في أصحاب أي مشروع إسﻻمي سياسي من أن يسيروا بنا إلى أمثال طالبان أو إيران


و إذا كان النظام البائد قد نجح نسبياً في خلق فزاعة لدى المسلمين من الإسﻻميين فما بالنا بغير المسلمين؟


إن توجيه رسائل “تطمينية” للأقباط هو أحد واجبات الحركة الإسلامية اليوم و فتح سبل و قنوات للحوار الإيجابي أساس إذا أردنا للمجتمع أن يسير في اتجاه السلم الاجتماعي


على شباب الحركة الإسﻻمية (بكافة تياراته و مدارسه) أن يتصدر ليذيب الجليد بينه و بين إخوانه من الأقباط و أن يتفهم و يستوعب مخاوفهم و أن يراعي وجود متشددين في الأقباط .. ألسنا ندعو الناس لعدم التعميم إذا رأوا مسلم متدين متشدد؟


إن أسوأ ما فعله نظام مبارك أنه خوف الجميع من الجميع و علينا الآن أﻻ يستكمل كل منا حياته داخل أيدلوجيته الخاصة دون انفتاح حواري شفاف يسير في طريق التنمية و تحقيق الأهداف المشتركة و ما أكثرها


إذن .. تفهموا .. طمنوا .. حاوروا .. لكي نحلق جميعاً تجاه النهضة

الجمعة، 11 مارس 2011

ماذا بعد تحرير الأقصى؟

أن نربي الناس على الإسﻻم حتى تعود الأمة إلى ربها و يكون المجتمع مجتمعاً إسﻻمياً بحق تتجسد فيه أخﻻق الإسﻻم و تنتشر فيه شرائع الإسﻻم و شعائره ثم تكون الحكومة حكومة إسﻻمية بحق انعكاساً لإسﻻم المجتمع و يتزامن هذا مع عودة المجتمعات في الدول الأخرى إلى إسﻻمها و تحقق التمكين لحركات إسﻻمية بها ثم نؤسس اتحاداً إسﻻمياً عالمياً من هذه الدول جمعاء ، و حينها ننقض على إسرائيل لنحرر الأقصى الأسير.


أعتقد أن التصور السابق هو تصور نسبة ﻻ بأس بها من المنتسبين للحركة الإسﻻمية على الأقل من الشباب ، و أريد أن أعرض لبعض المﻻحظات التي تبين أن الأمر ليس (و ﻻ ينبغي أن يكون) بهذه البساطة


ليست لدي مشكلة في النصف المتعلق بأن الحركة الإسﻻمية يجب أن تسير في اتجاه دعوة الأمة للعودة إلى كتاب الله و سنة رسوله الكريم و التخلق بأخﻻق الإسﻻم بل و سيادة شرائع و شعائر الإسلام في المجتمع


و لكن لدي مشكلة في أن يكون تصورنا للدولة الإسلامية أنها دولة تحكمها الحركة الإسلامية ، أي يحكمها الإخوان في مصر و حماس في فلسطين و حركة النهضة في تونس و هكذا ، هذا التصور عن الدولة الإسلامية المنشودة مغلوط جداً لأن الأصل في الحاكم أن يكون أكفأ من يقود و أن يختاره الناس بناءً على برنامج سياسي و اقتصادي و حلول يقدمها لمشاكلهم ، و الأصل أن تكون هناك تعددية سياسية و حزبية و أن الدولة الإسلامية المنشودة ما يميزها هو أن نسبة الأحزاب التي تتبنى الإسلام كمشروع حضاري ستزداد و ستتبادل الوصول للحكم إنما لن يكون الحكم محصوراً في “الحزب الإسلامي”


إذن فكرة “الحزب الإسلامي” أو الحزب الذي يمثل الإسلام فكرة غير صحيحة في النموذج المثالي للدولة الإسلامية و إذا آمنا أنه مرت على مصر مثلاً فترة كان هناك فصيل واحد فقط هو من يدخل الانتخابات تحت شعار “الإسلام هو الحل” فإن هذا لا يعني أن هذا الفصيل فقط هو من سيحكم في الدولة الإسلامية ، و لكن الأصل أن يوجد عدة أحزاب إسلامية و ليس حزباً واحداً و الشعب يختار أكفأهم.


لذلك أنا لا أؤيد أبداً أن يتوحد الإسلاميون في حزب سياسي واحد بل يكون هناك “الوسط” و “الحرية و العدالة” و غيرهم.


النقطة الثانية هي إشكالية أن يكون تصورنا عن أهداف الدولة الإسلامية منحصراً تقريباً في القضية الفلسطينية فقط و تحرير الأقصى الأسير ، فهل خلقنا الله و أرسل إلينا رسوله الكريم من أجل أن نحرر الأقصى “فقط”؟ ﻻ أقصد الاستهانة بالأقصى و لكن أريد أن أوضح أن الله لم يخلقنا “فقط” لنحرر الأقصى و إلا فماذا بعد تحرير الأقصى؟


سنبذل الغالي و النفيس من أجل تحريره و من أجل مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة بل و نستفيد من هذه القضية في تقريب المسلمين من بعضهم و التوحد و التوجه نحو هدف مشترك و لكن مع إدراكنا الجيد أن تحرير الأقصى ما هو إلا مقتضى من مقتضيات الوصول لدولة إسلامية حقيقية و من مقتضيات تحقيق النموذج الحضاري الإسﻻمي الذي هو بالتأكيد مختلف عن النموذج الحضاري الغربي


إذن الإجابة عن سؤال ماذا بعد تحرير الأقصى؟ هو:


نفس ما كان قبل تحرير الأقصى .. عمارة الأرض و إقامة حضارة إسلامية حقيقية بها تعددية سياسية

السبت، 5 مارس 2011

العمق الاستراتيجي المصري

تأثرت كثيراً بالطرح الاستراتيجي للسياسة الدولية التركية للأستاذ أحمد داوود أوغلو و الذي وضح أن التأثير القوي لتركيا يأتي من تصورها كدولة مركزية لها أعماق استراتيجية متعددة و ليس النظر لها على أنها جسر بين الشرق و الغرب و هذا التصور يقتضي كما يقول التطبيع مع التاريخ و التطبيع مع الجغرافيا ، فالعمق الاستراتيجي التاريخي يجعل تركيا في علاقات قوية استراتيجية مع العرب و التطبيع مع الجغرفيا يجعل لتركيا عمقاً استراتيجياً مع الغرب.


دفعني هذا إلى التفكير في الوضع الدولي المثالي لمصر إذا أعدنا ترتيب أوراقنا و وضعنا تصور دولي جديد يتغلب على سياسة القطب الواحد المسيطرة و يؤدي إلى وقف الزحف السرطاني للعولمة و إنشاء نظام عالمي جديد يقوم على العدل بدلا من الصهيونية و على مراعاة الفروق الحضارية بين الدول بدلاً من محاولة فرض النموذج الحضاري الأمريكي على الجميع و يقوم على فكرة حوار الحضارات المختلفة بدلا من تصارعها


و لكي تستعيد مصر دورها الدولي المنشود ينبغي أن تتحرك لتستفيد من الأعماق الآتية


العمق الإسلامي

تنمية الروابط بالدول الإسلامية جمعاء عن طريق مساعدة و دعم الأزهر الشريف و دعم استقلاليته و تبني مشروعات تطويره داخلياً و تبني فتح جامعات للأزهر في الدول الإسلامية المختلفة و إنشاء منتدى اقتصادي للدول الإسلامية و الانفتاح على ماليزيا و تركيا و إيران و بقية الدول الإسلامية ثقافياً ، و الاستفادة من المواقع التاريخية في مصر و المتعلقة بالحقبة الإسلامية لتنشيط السياحة و لجذب الدول الإسلامية للسياحة داخل مصر و التعاون و الانفتاح الثقافي مع هذه الدول و نشر اللغة العربية و مدارس القرآن و المدارس الإسلامية باللغة العربية في هذه الدول و تعاون اقتصادي أيضاً لجذب استثماراتهم داخل مصر


العمق العربي

الاستفادة من الروابط العربية اللغوية و الثقافية و تقويتها دون التشدد في قومية متعصبة أو الاكتفاء بالقومية العربية كهوية بل نسبتها للهوية الإسلامية أي عدم نفيها و لكن وضعها تحت عباءة الانتماء الإسلامي


العمق الأفريقي

تقوية العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية و الاستفادة من الموارد الأفريقية و إقامة مشروعات اقتصادية و تبني رؤية نهضة للاتحاد الأفريقي تؤسس لحقبة أفريقية جديدة مع الاستفادة أيضاً من دور الأزهر في نشر الإسلام في الدول الأفريقية


التحالف المصري التركي الإيراني

مصر بعمقها الأفريقي و العربي القوي ، و تركيا بعمقها الأوروبي القوي و إيران بعمقها الآسيوي القوي ، هؤلاء الثلاثة (دول متشابهة جداً من حيث عدد السكان و الديانة و المساحة و كل دولة تطل على بحرين و كل دولة تقبض على مضيق مائي ذي بعد استراتيجي)* و هذا يؤهلهم إلى التحالف القوي و الاستفادة من العلاقات القديمة و تقويتها ، و الثلاثة باستطاعتهم إذا تحالفوا بقوة أن يؤسسوا فعلاً لشرق أوسط جديد و يقلبوا موازين القوى الدولية ، و يقفوا بقوة في مواجهة المشروع الصهيوني ، و إذا تبدت حرب في الأفق مع الكيان الصهيوني فإن تحالف الثلاث قوى سيؤدي إلى قوة ردع قوية و يمكنهم رسم خريطة منطقة جديدة


ضرورة التعاون مع الصين

الصين كقوة عظمى منتظرة تمثل نوعاً من التحدي للنموذج الحضاري الغربي و لذلك فالتعاون معها يجب أن يكون قوياً و من منطلق تصور جديد للعالم قائم على تعدد الحضارات و الحوار بينها بدلاً من العولمة الأمريكية


-----

* من كتاب "أسرار نجاح التجربة التركية" للدكتور أحمد يحيى مطر

الاثنين، 3 يناير 2011

من يعتذر لمن؟ و من يعزي من؟

كانت حادثة الانفجار الذي وقعت أمام كنيسة القديسين منذ يومين 1-1-2011 حادثة غريبة جداً على المجتمع المصري و ﻻ يزال الألم و الفجيعة يعتصر قلوب المصريين جميعاً ، الألم الذي عبر عنه البعض بتغيير صورة البروفايل على الفيسبوك بسواد كامل أو بتعانق الهﻻل و الصليب و عبر عنه البعض بزيارة المصابين و تعزية أصحاب و أقارب الموتى و آخرون تبرعوا بالدم لصالح المصابين.

و لأن الحدث غريب على المجتمع المصري فإن ردود الأفعال لم تكن ردوداً عادية و بالتأكيد تستحق بعض النظر ، قد يكون الموقف الآن ﻻ يسمح بنظرة تحليلية و لكن لنفكر قليلاً وسط هذه الفوضى لندرك أين وصل المجتمع و أين وصلت مصر. لا لمجرد النظرة التحليلية و لكن لنتأكد أن المشكلة أعمق من هذا و أن الاحتقان و التحفز أصبحوا اليوم أمراً واقعاً ينبغي أن ننظر إلى أسبابه بهدوء و نحاول حلها.

لن أتحدث هنا عن الأسباب التي أدت بالمجتمع إلى هذا الاحتقان و التحفز و هي أسباب بعضها معروف لدى الجميع و البعض يحتفظ به المثقفون و ﻻ يبوحون به إﻻ على استحياء خوفاً من فتنة أشد و ﻷن البوح به بقوة لن يحل المشكلة و لكنه سيزيدها تعقيداً.

أما عن الفاعل فإن الحديث عنه بيقين قبل ظهور نتائج التحقيق شيء من الخبل ، أما الترجيح فمطلوب ، و أنا ﻻ أستبعد فعﻻ التدخل الأجنبي خصوصاً بعد الاطﻻع على اعترافات الجنرال عاموس يادلين و لكن لننتظر حتى نعرف من الفاعل.

أما عن الاحتقان و هل هناك من هو سبب فيه و هل له عﻻقة بالحادث و هل ﻻبد أن يعتذر فإن هذه قصة أخرى ليس مكانها هنا و لكني أتركها لمقال قادم إن شاء الله.

أريد بعد هذا التقديم أن أعرف أمرين مهمين كما أفهمهما:

الاعتذار: الاعتذار يكون من إنسان أخطأ في حق إنسان آخر أو طائفة أخطأت في حق طائفة خطأ مباشر أو بالتحريض ، يعبر فيها المخطئ أنه أدرك خطأه و استشعره و يتمنى لو لم يقم به.

التعزية: إذا فقد إنسان ما شيئاً أو شخصاً عزيزاً عليه فإن أحباب هذا الشخص يعزونه في ما فقده. لربما هم ﻻ يعرفون الشخص المتوفي لكنهم يعبرون لصديقهم أو قريبهم أنهم حزينون لحزنه و أنه إن كان فقد صديق أو قريب فإننا سنظل إلى جانبك و لن نتركك.

و بخصوص الحادثة فإن فاعل هذه الفعلة أياً كان انتماؤه ﻻ يقبل منه اعتذار هذا إن اعتذر أصﻻً. فالمتهمان الرئيسان في الحادثة هما القاعدة - أو جماعات متأثرة بها - و إسرائيل. و كﻻهما لن يشعر بخطأه و لن يتمنى لو لم يقم به و حتى لو فعلوا هذا فقبول الاعتذار مستحيل ﻷن الجريمة نكراء و الدم ليس سهﻻً.

أما التعزية فإن الجميع عليه أن يعزى أصدقاء و أقرباء الضحايا تعزية خاصة ، أما التعزية العامة فهي ليست للمسيحيين فقط بل التعزية للمصريين جميعاً ﻷن الجرح عميق و الدم ليس سهﻻً و مصر هي الضحية الأولى فى هذا الحادث.

أنا شخصياً لن أعزي مايكل أو أنطوان صديقاي ، فعندما مات عمي لم أعز أبى فيه و لكنى وقفت إلى جانبه كي يعزينا الناس فالجريمة مستني كما مستهم و أحزنتني كما أحزنتهم ، و لكني سأعزي أختى ناردين التي فقدت صديقتها و أم صديقتها و أرجو من الله أن يهدئ قلبها و أن يرزقها الصبر الجميل.

ﻻ أنكر أننى رأيت فى اليومين الفائتين ما يخالف هذه الحقائق التى أراها بسيطة و واضحة فرأيت بعض المسلمين يعتذرون للمسيحيين و كأنه هو من فجر المتفجر و رأيت مسيحياً يقول لن نقبل الاعتذار من المسلمين ، و رأيت مسلمين يدافعون عن الإسﻻم و يبرزون آيات التسامح و البر مع غير المسلمين و المسيحيين خاصة و كأن الإسﻻم متهم أصﻻً. و رأيت مسلمين كل قضيته في الحياة أن يقول للمسلمين أزيلوا صورة الصليب من بروفايلكم. و رأيت شباباً ثائراً في الشوارع معظمه من الصيع يكسر و يدمر.

و مع هذا فالصورة ليست بهذه القتامة فقد رأيت أيضاً مسلمين و مسيحيين متحدين ﻹدانة ما حدث و أذكر السيدة المسيحية في تقرير الجزيرة تقول “ﻻ مسلم راضي و ﻻ مسيحي راضي” و رأيت المتبرعين بالدم من المسلمين و المسيحيين على السواء و رأيت أغاني الوحدة تنشر.

أرجو من الجميع أن يقول في كل مقام مقاله و أﻻ يندفع بعاطفته ليضع لبنة سوداء في سور بئيس يريد أعداء الأمة أن يبنى بين المسلمين و المسيحيين.

تبقى أسباب الاحتقان و التحفز الطائفي بحاجة إلى نظرة عميقة عاقلة و لكني سأؤجلها لوقت ﻻحق إلى أن نهدأ جميعاً من هذه المأساة و أسأل الله أن تمر الأيام القادمة بسﻻم و هدوء دون أي مفاجئات أخرى و أسأل الله أن تنجح الوقفات التي تتم الدعوة لها الخميس و الجمعة أمام الكنائس لحمايتها و أسأله أن يجنب مصر ويﻻت الاحتقان و أن يتدخل العقﻻء في هذا البلد الأمين كي يحاولوا إصﻻح بلد لطالما كان مثﻻً للانسجام بين مسلميه و مسيحييه.