الثلاثاء، 14 فبراير 2012

كيف نحقق الوحدة الإسلامية المنشودة؟


شاهدت بعض الدعوات من بعض الشباب المتحمس (بل و من بعض الكتاب الكبار) أن تتحد مصر و ليبيا و تونس و ينشئوا اتحاداً إسلامياً يكون مقدمة لاتحاد إسلامي يضم الدول الإسلامية التي تحررت من قيود الحكام المستبدين.

لا أستطيع أن أعارض هذا الطرح العام إلا أن لدي بعض الملاحظات التي ينبغى أن ننتبه لها كشباب نريد أن نساهم في وحدة الأوطان الإسلامية و نهضتها بل و نقود هذه الوحدة و تلك النهضة.

التنادي بالوحدة الإسلامية ينبغي ألا ينسينا أن هذه الوحدة لن تكون سهلة و لن تكون سريعة.

لن تكون سهلة لأنها تحتاج "مؤسسية" و لن تكون سريعة لأنها تحتاج "تدرج".

لنستعرض سوياً تجربتين من تجارب الوحدة التجربة الأولى هي تجربة عبد الناصر ، هذا الزعيم العربي الذي حلم بتوحيد العرب لكنه لم يعرف الطريق الصحيح و كانت تجربته في الاتحاد مع سورية فاشلة تماماً ذلك أن تفكيره كان تفكيراً مركزياً فردياً غير قائم على المؤسسية و لا التدرج و انهار حلم الوحدة سريعاً كما بدأ سريعاً.

التجربة الأوروبية هي إلى الآن تجربة ناجحة و واعدة و ترد عملياً على من يعادي الخلافة و يتربص بها و يجادل ليل نهار أن انتماء مصر الإسلامي سيمحى هويتها الوطنية.

اتحاد جمركي ثم سوق مشتركة ثم اتحاد اقتصادي كامل و في النهاية اتحاد سياسي ، هذه هي مراحل تطور الاتحاد الأوروبي و هدفه في النهاية الوصول لاتحاد سياسي و اقتصادي ، أهداف واضحة لم يحققها بالكامل و لكنه يسير على الطريق ، يسير ببطء و لكن بدراسة و منهجية و خطوات ثابتة.

يضم الاتحاد الأوروبي الآن 27 دولة و عملته الموحدة (اليورو) يستخدمها 17 دولة من ضمن ال 27 دولة و لديه المفوضية الأوروبية و البرلمان الأوروبي و مجلس الاتحاد الأوروبي و لدى كل دولة برلمانها و حكومتها المستقلة و لديهم سياسة زراعية مشتركة و سياسة صيد بحري موحدة و تم تشكيل جنسية موحدة لا تبدل الجنسية الوطنية، وإنما تكملها. يحصل كل مواطن في الدولة العضو على الجنسية الأوروبية تلقائيا و يحصل بذلك على حق الإقامة في كامل الاتحاد و يكون لديه حق الانتخاب، وحق انتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي بغض النظر عن مكان إقامته داخل الاتحاد ، البرلمان الأوروبي يحتوى على 736 عضو يتم انتخابهم بشكل مباشر من 375 مليون ناخب(عدد الناخبين في انتخابات 2009).

و لكن قصة الاتحاد الأوروبي بدأت قديماً و استغرقوا لكي يصلوا لهذه الوحدة عدة عقود فالبداية كانت في 1948 نعم البداية كانت من ستين عاماً و لم يدعوا ساعتها لاتحاد أوروبا تحت رئيس واحد و لا حكومة واحدة و لم يطالبوا بإنشاء برلمان مشترك بل تدرجوا و درسوا كالآتي:
  • 1948: تم تأسيس منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي (OEEC).
  • 1952: تأسيس الجماعة الاقتصادية للفحم و الصلب (ECSC) ، سوق مشتركة في الفحم و الصلب و الحديد بين ست دول فقط.
  • 1957: معاهدة روما لإنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية (EEC الآن يسمى EU) بين نفس الست دول.
  • 1960: فشلت مفاوضات إنشاء منطقة تجارة حرة أوسع فكونوا رابطة التجارة الحرة الأوروبية (EFTA).
  • 1973: انضمت بريطانيا و الدانمرك و أيرلندا إلى الاتحاد الأوروبي.
  • 1979: أول جلسة للبرلمان الأوروبي.
  • 1981: انضمت اليونان.
  • 1986: انضمت أسبانيا و البرتغال.
  • 1992: معاهدة ماستريخت.
  • 2009: سلطة للبرلمان الأوروبي على كامل ميزانية الاتحاد الأوروبي.
أرأيت كيف خططوا و درسوا ثم نفذوا و حققوا ما أرادوا؟

للأسف أجد بعض النقاشات و الكتابات خالية من الدراسة العلمية و أجد زهداً من الشباب في الدراسة و التعلم و أجد تجرءاً على "الفتي" و تجاوز العلم و أجد اغتراراً بقيادة الشباب للخطاب الثوري ظناً منه أن النهضة ستكون هكذا مجرد "فهلوة".

قرأت في أساسيات الاقتصاد الدولي أن الاتحاد الجمركي بين دولتين يحقق رفاهية أكثر إذا كانتا متنافستين في سلعة ما و ليستا متكاملتين في أكثر من سلعة ، أي أن تخصص كل دولة في إنتاج سلعة ما ليس هو الأجدى اقتصادياً في الاتحادات الاقتصادية ، بل التنافس هو الأفيد ، اسأل من حولك من الشباب الذين يتحدثون عن الوحدة العربية أو الإسلامية عن هذه المعلومة و ستسمع فتاوي كثيرة ، اسأل استاذ اقتصاد في كلية تجارة و سيجيبك.

هذه ليست دعوة للتباطؤ و لكنها دعوة للدراسة العلمية ، هي دعوة للشباب أن احترموا العلم و لا تتجاوزوه ، هي دعوة للسياسيين و الاقتصاديين أن يضعوا لنا دراسات واقعية غير متباطئة ، دعوة لأهل التخطيط أن أرونا إبداعاتكم و دعوة للقادة أن انطلقوا دارسين متدرجين غير متباطئين.

إن الخطوة الأولى الآن هي دعم منظمات مثل التعاون الإسلامي و الجامعة العربية و مجلس التعاون الخليجي لكي تلعب دوراً أقوى في توحيد الأمم الإسلامية و بناء الجسور بينها.

باختصار .. الاتحاد الإسلامي المرجو هو كونفدرالية إسلامية تبنى شيئاً فشيئاً بتدريج مدروس من متخصصين و ليس باندفاع ثوري غير مدروس يؤسس لعشوائية في القرارات و فشل شبه مؤكد.

الأربعاء، 20 أبريل 2011

الأقباط و النموذج الحضاري الإسﻻمي

موضوع الأقباط هو من المواضيع التي يواجه بها الإسﻻميون على أنها نقطة ضعف في مشروعهم و أن مشروعهم الإسﻻمي ﻷنه مشروع مرجعيته “دينية” فهو مشروع بالضرورة ﻻ يستوعب الأقباط


فيرد الإسﻻميون: إن مشروعنا الإسﻻمي بالنسبة لنا دين و ثقافة و بالنسية للأقباط ثقافة فقط و بالنسبة لنا دين و حضارة و بالنسبة للأقباط حضارة فقط


و هذا كﻻم له منطقه و حيثياته و سنوضح أن له شواهد تؤكده في واقعنا المعاصر في مقال آخر


و لكن السؤال: ما الذي يدفع الأقباط إلى تبني المشروع الحضاري الإسﻻمي و لو كثقافة؟


إن المسلمين اليوم يعانون من انهزام حضاري واضح و الحركة الإسﻻمية ﻻ تزال في مرحلة “الصحوة” و التجارب الإسﻻمية المعاصرة التي يمكنها طمأنة الأقباط غير موجودة ناهيك عن تجارب تدفعهم لتبني المشروع ، لذلك فما الذي يمنع القبطي المثقف من تبني الليبرالية أو العلمانية؟


إن أمامه اليوم نموذجاً حضارياً غربياً متقدماً و عولمة تريد فرض هذا النموذج على الجميع و تروج له على أنه وحده الحل لجميع مشكﻻت العالم ، و لكي تعلم كم هو متغلغل في حياتنا هذا النموذج ، ﻻحظ أنك ما كنت لتقرأ هذا المقال لوﻻ وجود الإنترنت و الذي هو إحدى منتجات الحضارة الغربية


إن الأقباط ليسوا كلهم رفيق حبيب و ﻻ مكرم عبيد و علينا ابتداءً أن نتفهم عدم تبنيهم ﻷي مشروع حضاري إسﻻمي بل و التشكك في أصحاب أي مشروع إسﻻمي سياسي من أن يسيروا بنا إلى أمثال طالبان أو إيران


و إذا كان النظام البائد قد نجح نسبياً في خلق فزاعة لدى المسلمين من الإسﻻميين فما بالنا بغير المسلمين؟


إن توجيه رسائل “تطمينية” للأقباط هو أحد واجبات الحركة الإسلامية اليوم و فتح سبل و قنوات للحوار الإيجابي أساس إذا أردنا للمجتمع أن يسير في اتجاه السلم الاجتماعي


على شباب الحركة الإسﻻمية (بكافة تياراته و مدارسه) أن يتصدر ليذيب الجليد بينه و بين إخوانه من الأقباط و أن يتفهم و يستوعب مخاوفهم و أن يراعي وجود متشددين في الأقباط .. ألسنا ندعو الناس لعدم التعميم إذا رأوا مسلم متدين متشدد؟


إن أسوأ ما فعله نظام مبارك أنه خوف الجميع من الجميع و علينا الآن أﻻ يستكمل كل منا حياته داخل أيدلوجيته الخاصة دون انفتاح حواري شفاف يسير في طريق التنمية و تحقيق الأهداف المشتركة و ما أكثرها


إذن .. تفهموا .. طمنوا .. حاوروا .. لكي نحلق جميعاً تجاه النهضة

الجمعة، 11 مارس 2011

ماذا بعد تحرير الأقصى؟

أن نربي الناس على الإسﻻم حتى تعود الأمة إلى ربها و يكون المجتمع مجتمعاً إسﻻمياً بحق تتجسد فيه أخﻻق الإسﻻم و تنتشر فيه شرائع الإسﻻم و شعائره ثم تكون الحكومة حكومة إسﻻمية بحق انعكاساً لإسﻻم المجتمع و يتزامن هذا مع عودة المجتمعات في الدول الأخرى إلى إسﻻمها و تحقق التمكين لحركات إسﻻمية بها ثم نؤسس اتحاداً إسﻻمياً عالمياً من هذه الدول جمعاء ، و حينها ننقض على إسرائيل لنحرر الأقصى الأسير.


أعتقد أن التصور السابق هو تصور نسبة ﻻ بأس بها من المنتسبين للحركة الإسﻻمية على الأقل من الشباب ، و أريد أن أعرض لبعض المﻻحظات التي تبين أن الأمر ليس (و ﻻ ينبغي أن يكون) بهذه البساطة


ليست لدي مشكلة في النصف المتعلق بأن الحركة الإسﻻمية يجب أن تسير في اتجاه دعوة الأمة للعودة إلى كتاب الله و سنة رسوله الكريم و التخلق بأخﻻق الإسﻻم بل و سيادة شرائع و شعائر الإسلام في المجتمع


و لكن لدي مشكلة في أن يكون تصورنا للدولة الإسلامية أنها دولة تحكمها الحركة الإسلامية ، أي يحكمها الإخوان في مصر و حماس في فلسطين و حركة النهضة في تونس و هكذا ، هذا التصور عن الدولة الإسلامية المنشودة مغلوط جداً لأن الأصل في الحاكم أن يكون أكفأ من يقود و أن يختاره الناس بناءً على برنامج سياسي و اقتصادي و حلول يقدمها لمشاكلهم ، و الأصل أن تكون هناك تعددية سياسية و حزبية و أن الدولة الإسلامية المنشودة ما يميزها هو أن نسبة الأحزاب التي تتبنى الإسلام كمشروع حضاري ستزداد و ستتبادل الوصول للحكم إنما لن يكون الحكم محصوراً في “الحزب الإسلامي”


إذن فكرة “الحزب الإسلامي” أو الحزب الذي يمثل الإسلام فكرة غير صحيحة في النموذج المثالي للدولة الإسلامية و إذا آمنا أنه مرت على مصر مثلاً فترة كان هناك فصيل واحد فقط هو من يدخل الانتخابات تحت شعار “الإسلام هو الحل” فإن هذا لا يعني أن هذا الفصيل فقط هو من سيحكم في الدولة الإسلامية ، و لكن الأصل أن يوجد عدة أحزاب إسلامية و ليس حزباً واحداً و الشعب يختار أكفأهم.


لذلك أنا لا أؤيد أبداً أن يتوحد الإسلاميون في حزب سياسي واحد بل يكون هناك “الوسط” و “الحرية و العدالة” و غيرهم.


النقطة الثانية هي إشكالية أن يكون تصورنا عن أهداف الدولة الإسلامية منحصراً تقريباً في القضية الفلسطينية فقط و تحرير الأقصى الأسير ، فهل خلقنا الله و أرسل إلينا رسوله الكريم من أجل أن نحرر الأقصى “فقط”؟ ﻻ أقصد الاستهانة بالأقصى و لكن أريد أن أوضح أن الله لم يخلقنا “فقط” لنحرر الأقصى و إلا فماذا بعد تحرير الأقصى؟


سنبذل الغالي و النفيس من أجل تحريره و من أجل مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة بل و نستفيد من هذه القضية في تقريب المسلمين من بعضهم و التوحد و التوجه نحو هدف مشترك و لكن مع إدراكنا الجيد أن تحرير الأقصى ما هو إلا مقتضى من مقتضيات الوصول لدولة إسلامية حقيقية و من مقتضيات تحقيق النموذج الحضاري الإسﻻمي الذي هو بالتأكيد مختلف عن النموذج الحضاري الغربي


إذن الإجابة عن سؤال ماذا بعد تحرير الأقصى؟ هو:


نفس ما كان قبل تحرير الأقصى .. عمارة الأرض و إقامة حضارة إسلامية حقيقية بها تعددية سياسية

السبت، 5 مارس 2011

العمق الاستراتيجي المصري

تأثرت كثيراً بالطرح الاستراتيجي للسياسة الدولية التركية للأستاذ أحمد داوود أوغلو و الذي وضح أن التأثير القوي لتركيا يأتي من تصورها كدولة مركزية لها أعماق استراتيجية متعددة و ليس النظر لها على أنها جسر بين الشرق و الغرب و هذا التصور يقتضي كما يقول التطبيع مع التاريخ و التطبيع مع الجغرافيا ، فالعمق الاستراتيجي التاريخي يجعل تركيا في علاقات قوية استراتيجية مع العرب و التطبيع مع الجغرفيا يجعل لتركيا عمقاً استراتيجياً مع الغرب.


دفعني هذا إلى التفكير في الوضع الدولي المثالي لمصر إذا أعدنا ترتيب أوراقنا و وضعنا تصور دولي جديد يتغلب على سياسة القطب الواحد المسيطرة و يؤدي إلى وقف الزحف السرطاني للعولمة و إنشاء نظام عالمي جديد يقوم على العدل بدلا من الصهيونية و على مراعاة الفروق الحضارية بين الدول بدلاً من محاولة فرض النموذج الحضاري الأمريكي على الجميع و يقوم على فكرة حوار الحضارات المختلفة بدلا من تصارعها


و لكي تستعيد مصر دورها الدولي المنشود ينبغي أن تتحرك لتستفيد من الأعماق الآتية


العمق الإسلامي

تنمية الروابط بالدول الإسلامية جمعاء عن طريق مساعدة و دعم الأزهر الشريف و دعم استقلاليته و تبني مشروعات تطويره داخلياً و تبني فتح جامعات للأزهر في الدول الإسلامية المختلفة و إنشاء منتدى اقتصادي للدول الإسلامية و الانفتاح على ماليزيا و تركيا و إيران و بقية الدول الإسلامية ثقافياً ، و الاستفادة من المواقع التاريخية في مصر و المتعلقة بالحقبة الإسلامية لتنشيط السياحة و لجذب الدول الإسلامية للسياحة داخل مصر و التعاون و الانفتاح الثقافي مع هذه الدول و نشر اللغة العربية و مدارس القرآن و المدارس الإسلامية باللغة العربية في هذه الدول و تعاون اقتصادي أيضاً لجذب استثماراتهم داخل مصر


العمق العربي

الاستفادة من الروابط العربية اللغوية و الثقافية و تقويتها دون التشدد في قومية متعصبة أو الاكتفاء بالقومية العربية كهوية بل نسبتها للهوية الإسلامية أي عدم نفيها و لكن وضعها تحت عباءة الانتماء الإسلامي


العمق الأفريقي

تقوية العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية و الاستفادة من الموارد الأفريقية و إقامة مشروعات اقتصادية و تبني رؤية نهضة للاتحاد الأفريقي تؤسس لحقبة أفريقية جديدة مع الاستفادة أيضاً من دور الأزهر في نشر الإسلام في الدول الأفريقية


التحالف المصري التركي الإيراني

مصر بعمقها الأفريقي و العربي القوي ، و تركيا بعمقها الأوروبي القوي و إيران بعمقها الآسيوي القوي ، هؤلاء الثلاثة (دول متشابهة جداً من حيث عدد السكان و الديانة و المساحة و كل دولة تطل على بحرين و كل دولة تقبض على مضيق مائي ذي بعد استراتيجي)* و هذا يؤهلهم إلى التحالف القوي و الاستفادة من العلاقات القديمة و تقويتها ، و الثلاثة باستطاعتهم إذا تحالفوا بقوة أن يؤسسوا فعلاً لشرق أوسط جديد و يقلبوا موازين القوى الدولية ، و يقفوا بقوة في مواجهة المشروع الصهيوني ، و إذا تبدت حرب في الأفق مع الكيان الصهيوني فإن تحالف الثلاث قوى سيؤدي إلى قوة ردع قوية و يمكنهم رسم خريطة منطقة جديدة


ضرورة التعاون مع الصين

الصين كقوة عظمى منتظرة تمثل نوعاً من التحدي للنموذج الحضاري الغربي و لذلك فالتعاون معها يجب أن يكون قوياً و من منطلق تصور جديد للعالم قائم على تعدد الحضارات و الحوار بينها بدلاً من العولمة الأمريكية


-----

* من كتاب "أسرار نجاح التجربة التركية" للدكتور أحمد يحيى مطر

الاثنين، 3 يناير 2011

من يعتذر لمن؟ و من يعزي من؟

كانت حادثة الانفجار الذي وقعت أمام كنيسة القديسين منذ يومين 1-1-2011 حادثة غريبة جداً على المجتمع المصري و ﻻ يزال الألم و الفجيعة يعتصر قلوب المصريين جميعاً ، الألم الذي عبر عنه البعض بتغيير صورة البروفايل على الفيسبوك بسواد كامل أو بتعانق الهﻻل و الصليب و عبر عنه البعض بزيارة المصابين و تعزية أصحاب و أقارب الموتى و آخرون تبرعوا بالدم لصالح المصابين.

و لأن الحدث غريب على المجتمع المصري فإن ردود الأفعال لم تكن ردوداً عادية و بالتأكيد تستحق بعض النظر ، قد يكون الموقف الآن ﻻ يسمح بنظرة تحليلية و لكن لنفكر قليلاً وسط هذه الفوضى لندرك أين وصل المجتمع و أين وصلت مصر. لا لمجرد النظرة التحليلية و لكن لنتأكد أن المشكلة أعمق من هذا و أن الاحتقان و التحفز أصبحوا اليوم أمراً واقعاً ينبغي أن ننظر إلى أسبابه بهدوء و نحاول حلها.

لن أتحدث هنا عن الأسباب التي أدت بالمجتمع إلى هذا الاحتقان و التحفز و هي أسباب بعضها معروف لدى الجميع و البعض يحتفظ به المثقفون و ﻻ يبوحون به إﻻ على استحياء خوفاً من فتنة أشد و ﻷن البوح به بقوة لن يحل المشكلة و لكنه سيزيدها تعقيداً.

أما عن الفاعل فإن الحديث عنه بيقين قبل ظهور نتائج التحقيق شيء من الخبل ، أما الترجيح فمطلوب ، و أنا ﻻ أستبعد فعﻻ التدخل الأجنبي خصوصاً بعد الاطﻻع على اعترافات الجنرال عاموس يادلين و لكن لننتظر حتى نعرف من الفاعل.

أما عن الاحتقان و هل هناك من هو سبب فيه و هل له عﻻقة بالحادث و هل ﻻبد أن يعتذر فإن هذه قصة أخرى ليس مكانها هنا و لكني أتركها لمقال قادم إن شاء الله.

أريد بعد هذا التقديم أن أعرف أمرين مهمين كما أفهمهما:

الاعتذار: الاعتذار يكون من إنسان أخطأ في حق إنسان آخر أو طائفة أخطأت في حق طائفة خطأ مباشر أو بالتحريض ، يعبر فيها المخطئ أنه أدرك خطأه و استشعره و يتمنى لو لم يقم به.

التعزية: إذا فقد إنسان ما شيئاً أو شخصاً عزيزاً عليه فإن أحباب هذا الشخص يعزونه في ما فقده. لربما هم ﻻ يعرفون الشخص المتوفي لكنهم يعبرون لصديقهم أو قريبهم أنهم حزينون لحزنه و أنه إن كان فقد صديق أو قريب فإننا سنظل إلى جانبك و لن نتركك.

و بخصوص الحادثة فإن فاعل هذه الفعلة أياً كان انتماؤه ﻻ يقبل منه اعتذار هذا إن اعتذر أصﻻً. فالمتهمان الرئيسان في الحادثة هما القاعدة - أو جماعات متأثرة بها - و إسرائيل. و كﻻهما لن يشعر بخطأه و لن يتمنى لو لم يقم به و حتى لو فعلوا هذا فقبول الاعتذار مستحيل ﻷن الجريمة نكراء و الدم ليس سهﻻً.

أما التعزية فإن الجميع عليه أن يعزى أصدقاء و أقرباء الضحايا تعزية خاصة ، أما التعزية العامة فهي ليست للمسيحيين فقط بل التعزية للمصريين جميعاً ﻷن الجرح عميق و الدم ليس سهﻻً و مصر هي الضحية الأولى فى هذا الحادث.

أنا شخصياً لن أعزي مايكل أو أنطوان صديقاي ، فعندما مات عمي لم أعز أبى فيه و لكنى وقفت إلى جانبه كي يعزينا الناس فالجريمة مستني كما مستهم و أحزنتني كما أحزنتهم ، و لكني سأعزي أختى ناردين التي فقدت صديقتها و أم صديقتها و أرجو من الله أن يهدئ قلبها و أن يرزقها الصبر الجميل.

ﻻ أنكر أننى رأيت فى اليومين الفائتين ما يخالف هذه الحقائق التى أراها بسيطة و واضحة فرأيت بعض المسلمين يعتذرون للمسيحيين و كأنه هو من فجر المتفجر و رأيت مسيحياً يقول لن نقبل الاعتذار من المسلمين ، و رأيت مسلمين يدافعون عن الإسﻻم و يبرزون آيات التسامح و البر مع غير المسلمين و المسيحيين خاصة و كأن الإسﻻم متهم أصﻻً. و رأيت مسلمين كل قضيته في الحياة أن يقول للمسلمين أزيلوا صورة الصليب من بروفايلكم. و رأيت شباباً ثائراً في الشوارع معظمه من الصيع يكسر و يدمر.

و مع هذا فالصورة ليست بهذه القتامة فقد رأيت أيضاً مسلمين و مسيحيين متحدين ﻹدانة ما حدث و أذكر السيدة المسيحية في تقرير الجزيرة تقول “ﻻ مسلم راضي و ﻻ مسيحي راضي” و رأيت المتبرعين بالدم من المسلمين و المسيحيين على السواء و رأيت أغاني الوحدة تنشر.

أرجو من الجميع أن يقول في كل مقام مقاله و أﻻ يندفع بعاطفته ليضع لبنة سوداء في سور بئيس يريد أعداء الأمة أن يبنى بين المسلمين و المسيحيين.

تبقى أسباب الاحتقان و التحفز الطائفي بحاجة إلى نظرة عميقة عاقلة و لكني سأؤجلها لوقت ﻻحق إلى أن نهدأ جميعاً من هذه المأساة و أسأل الله أن تمر الأيام القادمة بسﻻم و هدوء دون أي مفاجئات أخرى و أسأل الله أن تنجح الوقفات التي تتم الدعوة لها الخميس و الجمعة أمام الكنائس لحمايتها و أسأله أن يجنب مصر ويﻻت الاحتقان و أن يتدخل العقﻻء في هذا البلد الأمين كي يحاولوا إصﻻح بلد لطالما كان مثﻻً للانسجام بين مسلميه و مسيحييه.

الاثنين، 29 نوفمبر 2010

بعد حادثة عمرو خالد .. نوعان من الشباب يظهران


إن حادثة حضور عمرو خالد لإلقاء درس كتلبية لدعوة جمعية الاسكندرية للتنمية و هي جمعية أسست من عدة شهور و يرأسها اللواء عبد السلام المحجوب مرشح الحزب الوطني فى الرمل قبل الانتخابات البرلمانية بأسبوع تكشف و بوضوح عن مشكلة نوعين من الشباب


لست هنا بصدد مهاجمة الأستاذ عمرو على هذه الندوة و لكن اعتراضات بعض الشباب (و أنا منهم) على هذه الندوة قبل أن تتم كشفت لي و بوضوح عن نوعين من الشباب ينبغي أن يلتفت إليهم


النوع الأول هو نوع من الشباب الذي إما كان الأستاذ عمرو سببا في اقترابهم من الدين و محاولتهم الالتزام بتعاليمه أو ساعدهم الأستاذ عمرو فى إفهامهم أن الدين يحتاج منا إلى “تنمية” بلادنا بالإيمان ، بل و أيضا استوعب نشاطهم و وجهه في مشروعات عملية تقوم بها جمعيات صناع الحياة و ما شابهها(و هذا شيء إيجابي)


و لكن هؤلاء الشباب لا يعرفون من الدين إلا عمرو خالد. لا يعرفون من العلماء أحدا و لا تربطهم صلة بأي مربي أو بأي جماعة أو حركة و لا يقومون بشيء في حياتهم إلا الاستماع لعمرو خالد و تطبيق ما يطلبه منهم دون أن يختاروا هذا لأنهم ببساطة لم يعرضوا على عقولهم أو قلوبهم أي فكر آخر غير فكر الأستاذ عمرو و نتج عن هذا أن عقولهم و قلوبهم لم تعد تستوعب أن يخطئ عمرو خالد لأنه يمثل عندهم كل شيء. لم يكونوا يدافعون عنه إلا بقولهم “إنه أستاذ و دكتور كبير لا بد أنه يعلم ماذا يفعل” “لا تسيئوا الظن به فإنه رجل رائع و له فضل علينا” هل هكذا أصبحت طائفة من أتباع عمرو خالد؟ هل انهار تفكيرهم و حصروا كل شيء فى الداعية الشاب؟


هل هذه هي تربية الداعية الشاب لهم أن”أزيلوا عقولكم و اتبعوني”؟ لا أعتقد ذلك فأنا أحسن الظن رغم كل شيء بدعوة الأستاذ عمرو الرئيسية و ليس مجالي هنا أن أحكم عليها حكما كاملا أنا فقط أريد أن أشير إلى طريقة تفكير هذا النوع من الشباب و الذي لا يستطيع أن يفكر أو أن يبحث عن الدلائل لأن هذه الدلائل قد تقوده إلى فقدان رمزه الوحيد فى الحياة و هو الأمر الذي لا يستطيع أن يستوعبه لذلك ستجده يبرر لك أي شيء يقوم به عمرو خالد و يدافع عنه ليس لأنه صحيح لكن لأن عمرو خالد قد قام بفعله


النوع الثاني هم الذين سيكونون ضحايا لهذه الأفعال التي تبين أن في الأمور أمور و أن الداعية الذي يخرج علينا يحدثنا عن الإخلاص و الثبات لربما لديه بعض المصالح الخاصة هؤلاء لن يفهموا أن لكل حصان كبوة و لن يقبلوا أن كل بني ءادم خطاء و لن يعذروا الداعية الشاب بل سيتحول الأمر إلى نقمة على الدعاة و تصديق ما يشاع عنهم فى مثل مسلسل الجماعة بأن لديهم أنشطة تجارية وراء برامجهم الدعوية هؤلاء الشباب سيفتنون فى كل الدعاة و لن يفرقوا بين المخلصين و المتاجرين و لا بين العلماء و الدعاة


حادثة عمرو خالد كانت مجرد حادثة “كاشفة” عن النوع الأول و لكنها مع غيرها “منشئة” للنوع الثاني


و يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

الناس فى المجتمع خمسة

منقول - من مقدمة كتاب "حقيقة التنظيم الخاص" لمحمود الصباغ

نستطيع أن نقسم الناس كافة من حيث إحساسهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه وإسهامهم في العمل على رفعة شأنه والنهوض بأمره إلى خمسة أنواع:

1- رجل لا يهتم إلا بشون نفسه، يسعى جاهدًا في طلب الخير لها، لا يهمه ممن حوله، إلا بقدر ما يسلب منهم سواء بالنصب والاحتيال، أو بالغدر والاعتداء، والعدوان، أو بالقهر والغلبة والسلطان.. وهذا النوع من الناس يحرص دائمًا على أن يلبس مسوح الملائكة الأطهار، وهو يخفي قلب الشيطان الماكر الغدار.. وهؤلاء هم أكثر الناس غلظة وقسوة ووحشية، ينخدع بمظهرهم من حولهم، ولا يشعرون بخطرهم إلا بعد أن يقعوا فريسة غدرهم وقسوتهم ووحشيتهم، فيعلمون أنهم كانوا بأبواق الدعاية مخدوعين، وبمعسول الكلام منومين، كما عبر عن ذلك مرة في كتابه «عودة الوعي» الأستاذ توفيق الحكيم!!

2- رجل لا يهتم إلا بشئون نفسه، يسعى جاهدًا في طلب الخير لها، ولكنه يلتزم في سعيه بأن لا يتجاوز حقه، لا يهمه إن ضل من حوله أوجاع، يقول مالي والناس، حسبي نفسي، ولو عمل كل لنفسه كما أعمل لارتفع شأن الأمة وعلا قدرها، وهؤلاء هم أغلظ الناس قلوبًا، وإن خلوا من الوحشية إلا أنهم يفتقرون إلى الرحمة التي دعا إليها رسول الله (ص) في قوله «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» وينطبق عليهم الإحساس النابض لقلب ابن مصر وزعيمها مصطفى كامل «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط».

3- رجل لا يهتم إلا بشئون نفسه وأهله، يسعى جاهدًا في طلب الخير لها ولهم، ويلتزم في سعيه بأن لا يتجاوز حقه، لا يهمه إلا نفسه وأهله، وإن جاع الوطن وضاع، وهؤلاء هم أقل الناس غلظة للقلوب، فهم لا يتحركون إلا إلى ذي رحم، يبذلون لهم من أموالهم وأنفسهم ما يستطيعون، ولكنهم إلى أبعد عن هذا الحد لا يتحركون، فهم لهذا السبب من غلاظ القلوب، التي لا تلين إلا لعلة نسب أو قرابة دم.

4- رجل يهتم بشئون نفسه وأهله ووطنه والناس جميعا، يبذل في سبيل إسعادهم جميعا في الدنيا كل ما يستطيع من جهد ومال وعلم وقول، يرحم ضعيفهم، ويطيب مريضهم ويعين محتاجهم بكل ما يملك من جهد ومال وهؤلاء هم الراحمون الذين يرحمهم من في السماء جزاء رحمتهم لمن في الأرض كما وعد بذلك حديث رسول الله (ص) في قوله: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

5- رجل يهتم بشئون نفسه وأهله ووطنه والناس جميعا، يريد لهم سعادة الدارين الدنيا والآخرة، يمنحهم من قلبه وفكره وماله كل ما يستطيع، ثم يحميهم من عدوهم بدمه ونفسه وروحه لا يبتغي من أحدهم أجرًا إلا وجه الله، وهؤلاء هم الذين استجابوا لدعوة الرحمن، فأرهبوا جند الشيطان وحملوا السلاح في وجوههم مقاتلين، لا يهمهم إن دخلوا السجون أو كانوا من المقتولين، يسميهم الطغاة الإرهابيين ويسميهم الرحمن المجاهدين، هم أرق الناس قلوبا، لأنهم يبذلون لأوطانهم ولدينهم الأرواح رخيصة والمهج الغالية دون من أو إيذاء، يتحملون صنوف التعذيب، وفاحش القول والفعل من الأفاكين الغادرين، بإيمان ثابت، وقلب مطمئن بنصر الله