الجمعة، 11 مارس 2011

ماذا بعد تحرير الأقصى؟

أن نربي الناس على الإسﻻم حتى تعود الأمة إلى ربها و يكون المجتمع مجتمعاً إسﻻمياً بحق تتجسد فيه أخﻻق الإسﻻم و تنتشر فيه شرائع الإسﻻم و شعائره ثم تكون الحكومة حكومة إسﻻمية بحق انعكاساً لإسﻻم المجتمع و يتزامن هذا مع عودة المجتمعات في الدول الأخرى إلى إسﻻمها و تحقق التمكين لحركات إسﻻمية بها ثم نؤسس اتحاداً إسﻻمياً عالمياً من هذه الدول جمعاء ، و حينها ننقض على إسرائيل لنحرر الأقصى الأسير.


أعتقد أن التصور السابق هو تصور نسبة ﻻ بأس بها من المنتسبين للحركة الإسﻻمية على الأقل من الشباب ، و أريد أن أعرض لبعض المﻻحظات التي تبين أن الأمر ليس (و ﻻ ينبغي أن يكون) بهذه البساطة


ليست لدي مشكلة في النصف المتعلق بأن الحركة الإسﻻمية يجب أن تسير في اتجاه دعوة الأمة للعودة إلى كتاب الله و سنة رسوله الكريم و التخلق بأخﻻق الإسﻻم بل و سيادة شرائع و شعائر الإسلام في المجتمع


و لكن لدي مشكلة في أن يكون تصورنا للدولة الإسلامية أنها دولة تحكمها الحركة الإسلامية ، أي يحكمها الإخوان في مصر و حماس في فلسطين و حركة النهضة في تونس و هكذا ، هذا التصور عن الدولة الإسلامية المنشودة مغلوط جداً لأن الأصل في الحاكم أن يكون أكفأ من يقود و أن يختاره الناس بناءً على برنامج سياسي و اقتصادي و حلول يقدمها لمشاكلهم ، و الأصل أن تكون هناك تعددية سياسية و حزبية و أن الدولة الإسلامية المنشودة ما يميزها هو أن نسبة الأحزاب التي تتبنى الإسلام كمشروع حضاري ستزداد و ستتبادل الوصول للحكم إنما لن يكون الحكم محصوراً في “الحزب الإسلامي”


إذن فكرة “الحزب الإسلامي” أو الحزب الذي يمثل الإسلام فكرة غير صحيحة في النموذج المثالي للدولة الإسلامية و إذا آمنا أنه مرت على مصر مثلاً فترة كان هناك فصيل واحد فقط هو من يدخل الانتخابات تحت شعار “الإسلام هو الحل” فإن هذا لا يعني أن هذا الفصيل فقط هو من سيحكم في الدولة الإسلامية ، و لكن الأصل أن يوجد عدة أحزاب إسلامية و ليس حزباً واحداً و الشعب يختار أكفأهم.


لذلك أنا لا أؤيد أبداً أن يتوحد الإسلاميون في حزب سياسي واحد بل يكون هناك “الوسط” و “الحرية و العدالة” و غيرهم.


النقطة الثانية هي إشكالية أن يكون تصورنا عن أهداف الدولة الإسلامية منحصراً تقريباً في القضية الفلسطينية فقط و تحرير الأقصى الأسير ، فهل خلقنا الله و أرسل إلينا رسوله الكريم من أجل أن نحرر الأقصى “فقط”؟ ﻻ أقصد الاستهانة بالأقصى و لكن أريد أن أوضح أن الله لم يخلقنا “فقط” لنحرر الأقصى و إلا فماذا بعد تحرير الأقصى؟


سنبذل الغالي و النفيس من أجل تحريره و من أجل مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة بل و نستفيد من هذه القضية في تقريب المسلمين من بعضهم و التوحد و التوجه نحو هدف مشترك و لكن مع إدراكنا الجيد أن تحرير الأقصى ما هو إلا مقتضى من مقتضيات الوصول لدولة إسلامية حقيقية و من مقتضيات تحقيق النموذج الحضاري الإسﻻمي الذي هو بالتأكيد مختلف عن النموذج الحضاري الغربي


إذن الإجابة عن سؤال ماذا بعد تحرير الأقصى؟ هو:


نفس ما كان قبل تحرير الأقصى .. عمارة الأرض و إقامة حضارة إسلامية حقيقية بها تعددية سياسية

السبت، 5 مارس 2011

العمق الاستراتيجي المصري

تأثرت كثيراً بالطرح الاستراتيجي للسياسة الدولية التركية للأستاذ أحمد داوود أوغلو و الذي وضح أن التأثير القوي لتركيا يأتي من تصورها كدولة مركزية لها أعماق استراتيجية متعددة و ليس النظر لها على أنها جسر بين الشرق و الغرب و هذا التصور يقتضي كما يقول التطبيع مع التاريخ و التطبيع مع الجغرافيا ، فالعمق الاستراتيجي التاريخي يجعل تركيا في علاقات قوية استراتيجية مع العرب و التطبيع مع الجغرفيا يجعل لتركيا عمقاً استراتيجياً مع الغرب.


دفعني هذا إلى التفكير في الوضع الدولي المثالي لمصر إذا أعدنا ترتيب أوراقنا و وضعنا تصور دولي جديد يتغلب على سياسة القطب الواحد المسيطرة و يؤدي إلى وقف الزحف السرطاني للعولمة و إنشاء نظام عالمي جديد يقوم على العدل بدلا من الصهيونية و على مراعاة الفروق الحضارية بين الدول بدلاً من محاولة فرض النموذج الحضاري الأمريكي على الجميع و يقوم على فكرة حوار الحضارات المختلفة بدلا من تصارعها


و لكي تستعيد مصر دورها الدولي المنشود ينبغي أن تتحرك لتستفيد من الأعماق الآتية


العمق الإسلامي

تنمية الروابط بالدول الإسلامية جمعاء عن طريق مساعدة و دعم الأزهر الشريف و دعم استقلاليته و تبني مشروعات تطويره داخلياً و تبني فتح جامعات للأزهر في الدول الإسلامية المختلفة و إنشاء منتدى اقتصادي للدول الإسلامية و الانفتاح على ماليزيا و تركيا و إيران و بقية الدول الإسلامية ثقافياً ، و الاستفادة من المواقع التاريخية في مصر و المتعلقة بالحقبة الإسلامية لتنشيط السياحة و لجذب الدول الإسلامية للسياحة داخل مصر و التعاون و الانفتاح الثقافي مع هذه الدول و نشر اللغة العربية و مدارس القرآن و المدارس الإسلامية باللغة العربية في هذه الدول و تعاون اقتصادي أيضاً لجذب استثماراتهم داخل مصر


العمق العربي

الاستفادة من الروابط العربية اللغوية و الثقافية و تقويتها دون التشدد في قومية متعصبة أو الاكتفاء بالقومية العربية كهوية بل نسبتها للهوية الإسلامية أي عدم نفيها و لكن وضعها تحت عباءة الانتماء الإسلامي


العمق الأفريقي

تقوية العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية و الاستفادة من الموارد الأفريقية و إقامة مشروعات اقتصادية و تبني رؤية نهضة للاتحاد الأفريقي تؤسس لحقبة أفريقية جديدة مع الاستفادة أيضاً من دور الأزهر في نشر الإسلام في الدول الأفريقية


التحالف المصري التركي الإيراني

مصر بعمقها الأفريقي و العربي القوي ، و تركيا بعمقها الأوروبي القوي و إيران بعمقها الآسيوي القوي ، هؤلاء الثلاثة (دول متشابهة جداً من حيث عدد السكان و الديانة و المساحة و كل دولة تطل على بحرين و كل دولة تقبض على مضيق مائي ذي بعد استراتيجي)* و هذا يؤهلهم إلى التحالف القوي و الاستفادة من العلاقات القديمة و تقويتها ، و الثلاثة باستطاعتهم إذا تحالفوا بقوة أن يؤسسوا فعلاً لشرق أوسط جديد و يقلبوا موازين القوى الدولية ، و يقفوا بقوة في مواجهة المشروع الصهيوني ، و إذا تبدت حرب في الأفق مع الكيان الصهيوني فإن تحالف الثلاث قوى سيؤدي إلى قوة ردع قوية و يمكنهم رسم خريطة منطقة جديدة


ضرورة التعاون مع الصين

الصين كقوة عظمى منتظرة تمثل نوعاً من التحدي للنموذج الحضاري الغربي و لذلك فالتعاون معها يجب أن يكون قوياً و من منطلق تصور جديد للعالم قائم على تعدد الحضارات و الحوار بينها بدلاً من العولمة الأمريكية


-----

* من كتاب "أسرار نجاح التجربة التركية" للدكتور أحمد يحيى مطر