الثلاثاء، 14 فبراير 2012

كيف نحقق الوحدة الإسلامية المنشودة؟


شاهدت بعض الدعوات من بعض الشباب المتحمس (بل و من بعض الكتاب الكبار) أن تتحد مصر و ليبيا و تونس و ينشئوا اتحاداً إسلامياً يكون مقدمة لاتحاد إسلامي يضم الدول الإسلامية التي تحررت من قيود الحكام المستبدين.

لا أستطيع أن أعارض هذا الطرح العام إلا أن لدي بعض الملاحظات التي ينبغى أن ننتبه لها كشباب نريد أن نساهم في وحدة الأوطان الإسلامية و نهضتها بل و نقود هذه الوحدة و تلك النهضة.

التنادي بالوحدة الإسلامية ينبغي ألا ينسينا أن هذه الوحدة لن تكون سهلة و لن تكون سريعة.

لن تكون سهلة لأنها تحتاج "مؤسسية" و لن تكون سريعة لأنها تحتاج "تدرج".

لنستعرض سوياً تجربتين من تجارب الوحدة التجربة الأولى هي تجربة عبد الناصر ، هذا الزعيم العربي الذي حلم بتوحيد العرب لكنه لم يعرف الطريق الصحيح و كانت تجربته في الاتحاد مع سورية فاشلة تماماً ذلك أن تفكيره كان تفكيراً مركزياً فردياً غير قائم على المؤسسية و لا التدرج و انهار حلم الوحدة سريعاً كما بدأ سريعاً.

التجربة الأوروبية هي إلى الآن تجربة ناجحة و واعدة و ترد عملياً على من يعادي الخلافة و يتربص بها و يجادل ليل نهار أن انتماء مصر الإسلامي سيمحى هويتها الوطنية.

اتحاد جمركي ثم سوق مشتركة ثم اتحاد اقتصادي كامل و في النهاية اتحاد سياسي ، هذه هي مراحل تطور الاتحاد الأوروبي و هدفه في النهاية الوصول لاتحاد سياسي و اقتصادي ، أهداف واضحة لم يحققها بالكامل و لكنه يسير على الطريق ، يسير ببطء و لكن بدراسة و منهجية و خطوات ثابتة.

يضم الاتحاد الأوروبي الآن 27 دولة و عملته الموحدة (اليورو) يستخدمها 17 دولة من ضمن ال 27 دولة و لديه المفوضية الأوروبية و البرلمان الأوروبي و مجلس الاتحاد الأوروبي و لدى كل دولة برلمانها و حكومتها المستقلة و لديهم سياسة زراعية مشتركة و سياسة صيد بحري موحدة و تم تشكيل جنسية موحدة لا تبدل الجنسية الوطنية، وإنما تكملها. يحصل كل مواطن في الدولة العضو على الجنسية الأوروبية تلقائيا و يحصل بذلك على حق الإقامة في كامل الاتحاد و يكون لديه حق الانتخاب، وحق انتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي بغض النظر عن مكان إقامته داخل الاتحاد ، البرلمان الأوروبي يحتوى على 736 عضو يتم انتخابهم بشكل مباشر من 375 مليون ناخب(عدد الناخبين في انتخابات 2009).

و لكن قصة الاتحاد الأوروبي بدأت قديماً و استغرقوا لكي يصلوا لهذه الوحدة عدة عقود فالبداية كانت في 1948 نعم البداية كانت من ستين عاماً و لم يدعوا ساعتها لاتحاد أوروبا تحت رئيس واحد و لا حكومة واحدة و لم يطالبوا بإنشاء برلمان مشترك بل تدرجوا و درسوا كالآتي:
  • 1948: تم تأسيس منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي (OEEC).
  • 1952: تأسيس الجماعة الاقتصادية للفحم و الصلب (ECSC) ، سوق مشتركة في الفحم و الصلب و الحديد بين ست دول فقط.
  • 1957: معاهدة روما لإنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية (EEC الآن يسمى EU) بين نفس الست دول.
  • 1960: فشلت مفاوضات إنشاء منطقة تجارة حرة أوسع فكونوا رابطة التجارة الحرة الأوروبية (EFTA).
  • 1973: انضمت بريطانيا و الدانمرك و أيرلندا إلى الاتحاد الأوروبي.
  • 1979: أول جلسة للبرلمان الأوروبي.
  • 1981: انضمت اليونان.
  • 1986: انضمت أسبانيا و البرتغال.
  • 1992: معاهدة ماستريخت.
  • 2009: سلطة للبرلمان الأوروبي على كامل ميزانية الاتحاد الأوروبي.
أرأيت كيف خططوا و درسوا ثم نفذوا و حققوا ما أرادوا؟

للأسف أجد بعض النقاشات و الكتابات خالية من الدراسة العلمية و أجد زهداً من الشباب في الدراسة و التعلم و أجد تجرءاً على "الفتي" و تجاوز العلم و أجد اغتراراً بقيادة الشباب للخطاب الثوري ظناً منه أن النهضة ستكون هكذا مجرد "فهلوة".

قرأت في أساسيات الاقتصاد الدولي أن الاتحاد الجمركي بين دولتين يحقق رفاهية أكثر إذا كانتا متنافستين في سلعة ما و ليستا متكاملتين في أكثر من سلعة ، أي أن تخصص كل دولة في إنتاج سلعة ما ليس هو الأجدى اقتصادياً في الاتحادات الاقتصادية ، بل التنافس هو الأفيد ، اسأل من حولك من الشباب الذين يتحدثون عن الوحدة العربية أو الإسلامية عن هذه المعلومة و ستسمع فتاوي كثيرة ، اسأل استاذ اقتصاد في كلية تجارة و سيجيبك.

هذه ليست دعوة للتباطؤ و لكنها دعوة للدراسة العلمية ، هي دعوة للشباب أن احترموا العلم و لا تتجاوزوه ، هي دعوة للسياسيين و الاقتصاديين أن يضعوا لنا دراسات واقعية غير متباطئة ، دعوة لأهل التخطيط أن أرونا إبداعاتكم و دعوة للقادة أن انطلقوا دارسين متدرجين غير متباطئين.

إن الخطوة الأولى الآن هي دعم منظمات مثل التعاون الإسلامي و الجامعة العربية و مجلس التعاون الخليجي لكي تلعب دوراً أقوى في توحيد الأمم الإسلامية و بناء الجسور بينها.

باختصار .. الاتحاد الإسلامي المرجو هو كونفدرالية إسلامية تبنى شيئاً فشيئاً بتدريج مدروس من متخصصين و ليس باندفاع ثوري غير مدروس يؤسس لعشوائية في القرارات و فشل شبه مؤكد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق